سوف نتحدث في هذا المقال عن شخصية النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-
باعتباره القدوة الحسنة المرتضاة من الله تعالى لكافة البشر، هذه الشخصية
التي تكلم عنها بعض وسائل الإعلام العالمية بما لا يليق بها، في حين أننا
نلاحظ أنه يُطبّل لأناس لا يتوفر فيهم معشار جزء من خلقه فهو صلوات الله
وسلامه عليه،جمع الفضائل كلها،والمكارم جميعها،والمحامد بأكملها،إليه ينتهي
الخير،وفيه تأصل البر،وعلي يديه فاض النور وأشرقت الهداية، وبه أنقذ الله
البشرية، وأخرجها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،ومن ضيق الدنيا إلى
سعتها،ومن جور الطواغيت إلى عدل الإسلام.
ومن أجل ذلك كانت سيرته من أجمل السير،وصفاته من أنبل الصفات، وأخلاقه من أعظم الأخلاق، وحياته من أروع الحياة وأوفاها وأشملها.نعم إن التاريخ الإنساني على وجه الأرض لم يعرف عظيما من العظماء ولا زعيما من الزعماء ولا مصلحا من المصلحين استوعب في صفاته الذاتية والعقلية والنفسية والخلقية والدينية والروحية والاجتماعية والإدارية والعسكرية والتربوية ما استوعبه شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما اختصه الله به من الكمالات التي تشرق في كل جانب من جوانبها وتضيء في كل لمحة من لمحاتها، حتى استحق أن يصفه الله عزوجل بالنور في مثل قوله تعالى (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)(المائدة 15).
ولا عجب في ذلك، فقد أرسله الله للناس كافة، قدوة صالحة لهم،ورحمة للعالمين. وهو القائل عن نفسه (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).(الموطأ).
فرسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن بعثه الله عزوجل للناس نبيا ورسولا كانت حياته صورة صادقة للدين الذي جاء به من عند الله، وما أجمل ما وصفته عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عنه، فقالت (كان خلقه القرآن).
أي أنه كان قرآنا حيا متحركا ملتزما بأحكامه ، عاملا بتوجيهاته، متبعا لهديه،ومنتهيا عند نهيه،يدعو إلى نوره، ويحتكم إلى شريعته،من أجل ذلك قال الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)(الأحزاب 21).
فهو القدوة إلى الخير والأسوة بين الناس إلى رضوان الله.
وأيما دعوة من الدعوات، لا يتأتى لها النجاح والانتشار ما لم يكن لها من أصاحبها والداعين إليها قدوات صالحة في التطبيق العملي لتلك الدعوة في أخلاقهم وسلوكهم ومواقفهم في الحياة.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في ذلك فقد صنعه الله على عينه، وأدبه فأحسن تأديبه، وأعده لحمل رسالته وتبليغ دعوته وإخلاص العبودية لرب العالمين قال سبحانه: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)(القلم 4).
وسيرته صلى الله عليه وسلم العطرة سجل حافل بالمآثر مليء بالمكرمات، مفعم بالفضائل، إنه كنز المواعظ والعبر،ومدخر الدروس التي تنبض بالنور،ترشد إلى الخير،وتوقظ الهمم، وتشحذ العزائم،وتذكي الإيمان، وترسم الطريق إلى مرضاة الله، وتضع المعالم أمام الدعاة والمصلحين،وتجسم القيم العليا والمبادئ الرفيعة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم،واقعا محسوسا،وحياة كريمة فاضلة.
فما نقرأه عما ينشر عنه في العالم الآخر من معلومات مغلوطة وكاذبة وذلك باتهامه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - بأنه رجل حرب ونهب وسلب، وأنه كان غليظ القلب، وأن الدين الذي جاء به دين العنف والرهبة والقتال، وصار بعض الرموز عندهم يُنعتون بأنهم رجال المحبة والرحمة والسلام، وتناسى الناس في زحمة الكذب الإعلامي والتزوير في الحقائق التاريخية والدينية والثقافية شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الشخصية التي نالت القدر الأوفى من كل الشمائل والخصال النبيلة، والقيم الإنسانية العليا.
لقد كان ميلاد محمد -صلى الله عليه وسلم- إيذاناً ببدء ثورة شاملة، حررت الإنسان والزمان والمكان، ورفعت عنها إصر عبوديات وأغلال كثيرة كانت تعيق انطلاقها جميعاً، فأخذ الإنسان حريته بيده، وصاغ هوية زمانه ومكانه صياغة جديدة، فجرت عناصر الخير في كل شيء، كان احتجاجاً قبلياً على كل عناصر الخير، فوقف الإنسان على ربوة التاريخ يسدّد خطواته نحو الأشرف والأفضل، ووقف المكان ليُلهم ويحتضن وينبت الأروع والأنصع، ووقف الزمان ليفسح ويتيح للأكمل والأشمل!
ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسّم وثناء
ولقد شكلت شخصية محمد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- الرجل الذي اكتملت فيه كل الأخلاق الحميدة، وانتفت منه كل الأخلاق الذميمة، ولذلك خاطبنا الله بقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). والمطّلع على سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- يدرك أنها كانت حقيقة تاريخية لا تجد الإنسانية غيره قدوة حسنة تقتدي بها، وهي تتلمس طريقها نحو عالم أكمل وأمثل، وحياة فُضلى، ومن الطبيعي ألا تجد الإنسانية مثلها الأعلى في شخصيات وهمية، وإلا فهي تضلّ طريقها المستقيم وتسير مقتدية بالخيال والأوهام، فمن حقنا إذاً أن نتخذ من سيرة النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- نموذجاً لسلوكنا في حياتنا.
وحياة محمد -صلى الله عليه وسلم- تكشف أمامنا المثلى الأعلى في جميع أحوال الحياة؛ في السلم والحرب، في الحياة الزوجية، مع الأهل والأصحاب، في الإدارة والرئاسة والحكم والسياسة، في البلاغ والبيان، بل في كل أوجه الحياة. فمحمد -صلى الله عليه وسلم- هو المثل الكامل.
ولن تجد الإنسانية في غيره مثلاً حياً لها؛ فسيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- حقيقة تاريخية، يصدّقها التاريخ الصحيح ولا يتنكر لها، وهي سيرة جامعة محيطة بجميع أطوار الحياة وأحوالها وشؤونها، وهي سيرة متسلسلة لا تنقص شيئاً من حلقات الحياة، وهي أيضاً سيرة عملية قابلة للتطبيق، ذلك أن ما كان يدعو إليه محمد -صلى الله عليه وسلم- في القرآن والحديث كان يحققه بسيرته أولاً، وهذا ما شهد به معاصروه، فقالت عائشة -رضي الله عنها- وقد سئلت عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم: «كان خلقه القرآن».
فهو قدوة الرجال وحبيب الله ورحمة العالمين وأساس سلم العالم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
الشيخ دلير اكبر
0 التعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.